فصل: فصلٌ: (نفقة الرجل عَلَى أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (نفقة الرجل عَلَى أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ):

(وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْمَمَالِيكِ: «إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» (فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا)، لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، حَتَّى يَبْقَى الْمَمْلُوكُ حَيْفًا وَيَبْقَى فِيهِ مِلْكُ الْمَالِكِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ) بِأَنْ كَانَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا (أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى بَيْعِهَا)، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمَا وَإِيفَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَلْفِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا، فَكَانَ تَأْخِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَكَانَ إبْطَالًا، وَبِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَفِيهِ إضَاعَتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ، وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَمَالِيكِ: إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ: عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد، قَالَ: «مَرَرْت بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدٌ مِثْلُهُ، فَقُلْت: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّك امْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُور، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ وَزَادَ: «وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ»، انْتَهَى.
وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد بِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: «وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ»، عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: «وَنَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِقْرَاضِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْقَضَاءِ عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا: عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءٌ، وَلَفْظُهُ: وَيَكْرَهُ لَكُمْ، عِوَضَ: يَسْخَطُ، أَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي الْقَضَاءِ.

.كِتَابُ الْعَتَاقِ:

(الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ») وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ.
الشرح:
كِتَابُ الْعِتْقِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ، حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَام، وَالْبَاقُونَ فِي الْعِتْقِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ»، زَادَ أَبُو دَاوُد: «وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ، إلَّا كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ مَكَانَ كُلِّ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمٌ مِنْ عِظَامِهِ»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، قَالَ: وَفِقْهُ الْحَدِيثِ: «أَنَّ عِتْقَ الذُّكُورِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْإِنَاثِ»، انْتَهَى.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ فِي مِلْكِهِ) شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ، وَالْبُلُوغَ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ، وَالْعَقْلَ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْبَالِغُ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُعْتَقُ: أُعْتِقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِقِصَّةِ الطَّلَاقِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا أُطِيعَ اللَّهُ فِيهِ، وَلَا يَمِينَ فِي غَضَبٍ، وَلَا طَلَاقَ، وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ. انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْقَوْشَجِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو بَكْرٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ لِمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَلَا عِتْقَ لِمَا لَا يَمْلِكُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ.
(وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ قَدْ حَرَّرْتُك أَوْ قَدْ أَعْتَقْتُك فَقَدْ عَتَقَ نَوَى لَهُ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ فِيهِ، لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ وَالْوَضْعُ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ، فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ، أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَا يَدِينُ قَضَاءً) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ، فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْوَصْفِ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُقْضَى بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا أَخْبَرَ وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا، ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ، لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِ عَلَمِهِ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا آزاد وَقَدْ لَقَّبَهُ بِالْحُرِّ قَالُوا يُعْتَقُ، وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمِ عَلَمِهِ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ بَدَنُك، أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ) وَسَيَأْتِيك الِاخْتِلَافُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
(وَلَوْ قَالَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك، وَيُحْتَمَلُ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَكَذَا كِنَايَاتُ الْعِتْقِ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: خَرَجْت مِنْ مِلْكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك، وَقَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ نَفْيُ السَّبِيلِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ وَتَخْلِيَةُ السَّبِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْكِتَابَةِ كَمَا يُحْتَمَلُ بِالْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: قَدْ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، خِلَافَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ، وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ، وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ، لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا، فَلِهَذَا يُحْتَمَلُ الْعِتْقُ.
(وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ بِالْمِلْكِ ثَابِتَةٌ، وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ، وَيُعْتَقُ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي مَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إعْمَالِهِ بِحَقِيقَتِهِ، وَوَجْهُ الْمَجَازِ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ، وَالْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ فِي الْعَتَاقِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً، وَلِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا، فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ يُعْتَقُ بِأَنْ قَالَ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي، لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الْإِكْرَامُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي.
قُلْنَا الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ فَكَانَ إكْرَامًا مَحْضًا.
(وَلَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يُعْتَقُ)، لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى إلَّا أَنَّهُ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِذَا كَانَ النِّدَاءُ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ فِيهِ لِتَعَذُّرِهِ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَاذًّا أَنَّهُ يُعْتَقُ فِيهِمَا، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ.
(وَلَوْ قَالَ يَا ابْنُ لَا يُعْتَقُ) لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةَ) لِأَنَّهُ تَصْغِيرٌ لِلِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ (وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ: هَذَا ابْنِي عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ).
وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُمْ إنَّهُ كَلَامٌ مُحَالُ الْحَقِيقَةِ فَيُرَدُّ وَيَلْغُو كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةَ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ، فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْأَرْشُ وَهُوَ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ، وَمَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ.
وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِمَا، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا بَيَّنَّا: وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ صَغِيرٍ هَذَا جَدِّي، قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ، وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ، فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ.
وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ يُعْتَقُ وَوَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا ابْنَتِي فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي النِّكَاحِ (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ تَخَمَّرِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ يُعْتَقْ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُعْتَقُ إذَا نَوَى، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُهُمْ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ مُوَافَقَةٌ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُ الْعَيْنِ أَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مِلْكُ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ، حَتَّى كَانَ التَّأْيِيدُ مِنْ شَرْطِهِ وَالتَّأْقِيتُ مُبْطِلًا لَهُ، وَعَمَلُ اللَّفْظَيْنِ فِي إسْقَاطِ مَا هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ فِيهِ بِالشَّرْطِ.
أَمَّا الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ لِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَلِهَذَا يَصْلُحُ لَفْظُهُ الْعِتْقُ وَالتَّحْرِيرُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ فَكَذَا عَكْسُهُ.
وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ، وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ، وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى، وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ، فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ.
(وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يُعْتَقْ) لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ (وَلَوْ قَالَ: رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ)، لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ (وَلَوْ قَالَ: رَأْسُك رَأْسٌ حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ إذْ الرَّأْسُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ.